السبت، 29 أبريل 2017

ميتتان لرجل واحد



"
جواكيم  سواريس دا كونيا" يعيش إلى حدود الخمسين من عمره ضمن الإطار، رجلا مطيعا ورب أسرة محترما وأبا جيدا وموظفا مثاليا. إذن هو يستحق الاحترام.
   لكن بمجرد خروجه عن النمط وتجواله مع مجموعة من الأشخاص البُسطاء، أصبح ميتاً بالنسبة لأهله... بكل بساطة مات وهوحي بمجرد أن غيّر أفكاره ومبادئه...وهنا الموتة الأولى
  جواكيم يفاجئ الكل و يهجر العائلة والبيت ومعارفه القدامى ويخلع عن ظهره عادات حياة بأكملها، ليتشرد في الشوارع ويسكر في الحانات الرخيصة، ويمارس الدعارة، مقضيا السنوات العشر الأخيرة من حياته في قلب العالم السفلي صعلوكا من أعتى صعاليك المدينة وقائدا فذا للسكارى والمشردين  يعرفه الجميع باسم "كينكاس هدير الماء" إلى أن يموت في غرفة بائسة... وهنا الموتة الثانية.
في اللحظة التي يُعلن فيها خبر وفاته يبدأ الصراع  بين العائلة من جهة وأصدقاء الميت من جهة ثانية.
هنا يتدخل خيال أمادو..
  يعود كينكاس  للحياة  بفضل ثلة الأصدقاء،  يطوفون به أرجاء المدينة ويحتفلون  على ظهر سفينة حيث اختار كينكاس طريقة موته النهائية رافضا الدفن في قبر يقيّده.
هذه هي  رواية أمادو بشكل جد موجز.
****
ماذا أراد أن يقوله لنا أمادو في "ميتتان لرجل واحد"؟؟
كم عدد الأحياء منا في هذه الحياة؟
كم منّا تبرع بحلمه من أجل صورة زائفة؟
 كم منّا أراد أن يقفز فرحا ولكنه سرعان ما انثنى حتى لا يخل بالحياء العام؟
 كم منّا أراد أن يتخذ طريقا في حياته وعدل عنه لأن الأب أو الخالة أو العمة يريدونه محاميا لا طبيبا، طبيبا لا رسّاما، صحفيا لا راقصا.؟
هذا ما أراده أمادو، أن نصغي إلى ذواتنا ومثّل لنا ذلك في "كينكاس" الذي لبى نداء الرحيل الساكن فيه وضرب عرض الحائط بالمظهر الزائف الذي شنق الإنساني فينا.
****
 ليست رواية "ميتتان لرجل واحد" مجرد سرد ليوميات الصعلكة والمجون بل لفت أنظار كل قارئ نحو الـــ
"كيناكس" الراقد بداخله.  ففي كلِ منا يرقد "كينكاس" ما مختلف عن الآخر مثل بصمة اليد ولكننا نقدمه قربانا للمشترك والمتداول والمكرور، ونطمس البصمة، نغمسها في الجمر ونحن نئن من أجل الصورة.
   إنها انتصار للحياة مقابل الموت، للذات  إزاء القوالب الجاهزة التي تحاصرها وتمنحها شكل كل يوم، للهامش الخلفي في وجه الواجهة الكاذبة، للانسان هذا الكائن الهش وقد ظل كرة تتقاذفها أرجل الأعراف والتقاليد والعائلة والمدرسة وموظفو الله وحرّاس النوايا الذين يشاركونه علمه بما في الصدور ويقتلون باسمه ويغسلون الأذهان باسمه ويقطعون طرق الرحمة باسمه...
   في نهاية الرواية نكتشف أن بداخل كل منا ثمة  كينكاس وجواكيم...لكل منّا "كينكاسه" الخاص، كينكاس الممثل للبصمة الخاصة بنا، جوهرنا  إلا اننا انصياعا  للسائد والعرف والمجتمع النمطي قبعنا في ثوب جواكيم، وطمسنا البصمة والجوهر.
****
"سأدفن كما أشتهي، في الساعة التي أشتهي، يمكنكم أن تحفظوا تابوتكم إذن لميتة جديدة وميت جديد، أما أنا فلن أترك لأحد أن يحبسني في قبر أرضي رذيل".
بهذه الكلمات انهي امادو روايته علي لسان كينكاس  الذي اختار الحاق العار بعائلته مقابل سعادته فأختار حياة التشرد مقابل حياته الهادئه الزائفه في نظره.
كان بوسع أمادو أن يقول ببساطة انك إذا لم تحيا كما تريد فأنت ميت، ولكنه اختار بث الحياة في بطل ميت انتصارا  للتخييل والحكي معا ضد القول المباشر. فأن تتخيل ميتا يبتسم ابتسامته الساخرة مم مضى ومما هو آت ليس بمقدور أي واحد منا أن يقوم بهكذا عمل.
أخيرا: "ان الحياة لا تفهم إلا من خلال ما يُروى عنها" هكذا قال أمادو في روايته هذه، مثلما قال قبله بول ريكور "إن الحياة لا تُفهمم  إلا من خلال القصص التي تُروى عنها".
 الحياة هذه مجرد مادة خام، محض "حياة بيولوجية" كما يقول ريكور، وحده القص من يجعل لها معنى. فأحرى بالواحد منا أن يصم أذنيه قليلا ويصغي مرة واحدة لما يريد؟ ذاك ما تريد هذه الرواية أن تقوله لنا 
Share:

الجمعة، 21 أبريل 2017

كرسي الرئاسة أو عرش النسر

السخرية تنسف الطبقية والتراتبية"  
"لا بوش ولا شافيز لا إمبريالية اليانكي ولا الاستبداد الاستوائي. تستحق القارة الأميركية ما هو أفضل"
فوينتس

السياسة عهر، عهر الممكن!



  كعادة أعماله المتميزة بالكثافة والتعقيد اللذان يجعلان بعضها في كثير من الأحيان عسيرة الفهم، بالإضافة إلى تضمّنها نزعة ثقافية مع استثناءات قليلة عن القوالب الكلاسيكية للواقعية التقليدية، حيث كانت الواقعية السحرية التي مثلت تيارا واتجاها عاما في أمريكا اللاتينية احتكره الجيل القديم من كتاب الشعر والرواية، بدأت تتسلل إلى الإبداع السردي للجيل الجديد من الكتاب.
   يرى فوينتس أن أعماله تدور في دائرة الحداثة ويقول أن "السخرية تنسف الطبقية والتراتبية" مؤكداً بان القضية ليست عدم الفهم بقدر ما هي الفرق بين أن الأدب الكلاسيكي الكبير قام على الوضوح مثلما هو عند هوميروس يكون الجميع أبطالاً وآلهة يتكلمون لغة واحدة باستثناء حوريات البحر، فيما الأدب الحديث فيقوم على التعبير عن الالتباس، وتالياً عن سوء التفاهم وليس انقطاع الاتصال. ويرى أن " الرواية تفوق باقي الفنون الأدبية قدرة على توضيح عدم التفاهم، والروائي المعاصر يحاول أن يستكشف سوء التفاهم هذا ويعبر عنه، بحيث يفعل ذلك انطلاقاً من الاختلاف وليس من الوحدة التي ستكون مزيفة حتماً، وعليه تقبل هذه التعددية في واقعه". يحسب لفوينتس لدى النقاد أشياء كثيرة منها ما يمكن تسميته "الابتكار الكلامي والنقد اللغوي"، والميل إلى الغرائبي المضحك، والرعب والتدنيس، كما عرف عنه هواية تحطيم المقدسات لدى الناس..
يقول "لا أستطيع أن أتصور وأتمثل الأدب دون كذب.!، وأذكر أن دوستويفسكي علق على رواية "دون كيشوت" بأن مؤلفها أنقذ الحقيقة بواسطة الكذب.
 والحق أنه لولا هذا العنصر الأساسي في رواية " دون كيشوت" لما أستطاع سرفانتس أن يقول لنا الحقيقة. إن الكذب غير المقبول في الحياة العامة أو الحياة السياسية يمكن قبوله في الأدب كعنصر خلق. وهو هنا يتخذ اسما أخر: الخيال". وفوينتس ليس بعيداً عن المجتمع المكسيكي حيث يرى أن زمن القطيعة مع الحضارة الهندية الأميركية، زمن الفتح الأسباني "والمفارقة أن المنتصرين الحقيقيين كانوا الهنود الأمريكيين وليسوا الأسبان، خاصة في المكسيك والبييرو، فالهنود تغلبوا على الهزيمة، وعاشوا حياة شبه سرية كما وصفتُ ذلك في روايتي الأولى "الأرض أكثر صفاء" 1958م، وظلوا يحملون ثقافتهم الهندية حتى غرسوها في قلب الثقافة المهيمنة التي صار لها طابعهم، إن عذراء "غوادلوب" هي صورة هندية: صورة لقاء المنتصر بالمهزوم الذي عاد فأنتصر. ويتكرر مثل هذا التمثيل عهد الباروك، فالباروك هو الذي ملأ الفجوة بين المنتصرين والمهزومين".
****
ينطلق فوينتس في "كرسي الرئاسة" من كذبة ، من خيال ،  من حدث افتراضي، يرسم به مناخ الرواية الكاشف عن جوانب اللعبة السياسية في أمريكا اللاتينية عامة والمكسيك بصفة خاصة كونه بلد الكاتب.
  فوينتس صاحب "الغرينغو العجوز" و "أورا" و الرواية (التي لم أستطع إتمام قراءتها أبدا) «موت أرتيميو كروز» لم يكن أبدا بعيداً عن السياسة، فوالده كان ديبلوماسياً، كما كان هو نفسه سفيراً لبلاده في فرنسا منتصف سبعينات القرن الماضي. كمادرس لفترة في الشيلي حيث تأثر بنيرودا وغابرييلا ميسترال.

الحدث الافتراضي يقع في عام 2020، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، يتجرأ رئيس جمهورية المكسيك لورنزو تيران المثالي النزعة و يصوت ضد احتلال الولايات المتحدة لكولومبيا و يطالب بوقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة إذا لم توافق واشنطن على رفع أسعار النفط التي حددتها منظمة أوبيك ....فيأتي انتقام الولايات المتحدة سريعا، إذ تقرر رئيسة الولايات المتحدة كوندوليزا رايس-حسب فوينتس- قطع نظام الاتصالات بالمكسيك- فلم تعد هناك هواتف او فاكسات او انترنيت، فيغوص البلد في كابوس إداري لا حدود له، وتبقى الوسيلة الوحيد للاتصال هي الرسائل، ومن خلال هذه الرسائل يبرز المتنافسون على السلطة....  على عرش النسر، العنوان الأصلي للرواية.. النسر المتشبث بالصبار و الملتقط الأفعى بمنقاره .

****
من خلال هذه الرسائل يبرز دور فوينتس.. الدور الذي نكتشفه كلما توغلنا في قراءة الرسائل. حيث لم يستغل فوينتس هذا الحدث الفريد(انقطاع وسائل الاتصالات) انما احتاجه فقط كحيلة ترغم السياسيين المكسيكيين على تبادل الرسائل البريدية، هكذا تصبح الرواية عبارة عن مجموعة من الرسائل بين الحلفاء والأعداء السياسيين، وهي رسائل تكشف لنا المؤامرات التي تدور، والفضائح بأنواعها، كما تظهر لنا صعود البعض سياسياً، وسقوط آخرين.
خلال ما يقارب 400 صفحة ، يظهر فوينتس المتلاعب بالشخصيات كالبيادق على رقعة الشطرنج.. يظهر كقائد الاوركسترا يحرك شخصيات الرواية راسما ملامح المؤامرات التي تحاك هنا وهناك باسلوب روائي ممتع و شيق ويستعين بعدة شواهد من كتاب و سياسيين و شخصيات تارخية من امثال شكسبير ميكافيللي فولتير هتلر موسليني ستالين و غيرهم الكثير كما يروي صفحات من التاريخ المكسيكي وهو ما يدل على الثقافة الواسعة التي يتمتع بها الكاتب وهذا ما أضفى رونقا خاصا على الرسائل.


"لقد دفنت هذه البلاد الكثير من مشاعر السخط على مر السنين، قرون طويلة من الفقر والظلم والأحلام التي لم تتحقق"
الرواية لا توصف سياسة المكسيك فحسب إنما سياسة العالم ككل.
الرواية متسارعة جدا، ومليئة بالدراما والأحداث.
تكاد تكون المشاكل ذاتها التي تواجهها جميع الدول , دول العالم الثالث بالأخص .
   

    تتوزع الرواية على نحو على 70 رسالة يتبادلها السياسيون...تجد فيها رسائل حب، رسائل تهديد بكشف المستور، رسائل وشاية ومؤامرة...وتجد فيها الرسائل المخلة بالحياء. 
    رواية فوينتس هذه  مرآة تعكس روح المكسيك المثقلة بتبعات وجودها كجارة للولايات المتحدة الأمريكية، الجارة العظمى، وما يحمل تاريخ البلدين من جذور ملتبسة تكللت بحربين.
في احدى مقالاته يتحدث عن كيف تشكلت المكسيك في وعيه، وهو ابن الدبلوماسي الذي عاش طفولته في الولايات المتحدة، كبلد متخيلة، وأخرى واقعية.
الرواية عظيمة فى كل جوانبها ، احداثها و تفاصلها. 
لست أدري و انا انهي هذه التدوينة إن كان يتوجب علي نصحك بقراءتها، لأنني كم مرة قررت التخلي عن قراءتها ولكن كان هناك شيء يشدني ولم أعرف كنهه.

فوينتس يجيد رسم العلاقات الكاذبة، الخيانات والصفقات المشبوهة، يجيد رسم القتل و الاغتيالات و التصفيات والطرق المعوجة نحو السلطة...دون أن يهمل جانب الحياة الشخصية لكل من الشخوص، ودورها في السياسة،.. ويضيف بعد كل فصل حدثا استثنائيا دراميا ينقل الرواية إلى أبعد ما يكون، ويعيد ترتيب الأحداث والمشهد مرة أخرى ..

****
شعار الشخصيات في هذه الرواية هو الغاية تبرر الوسيلة لذلك نجدهم لا يتوانون عن فعل اي شيء في سبيل الوصول الى الكرسي فالكذب الخيانة المجون التحيل الابتزاز الوشاية و حتى الاغتيالات كلها امور مبررة وهو مايبرز بشاعة الهوة الاخلاقية التي يقبعون فيها.هذا و ان كانت غالبية الشخصيات تنتمي الى الطبقة الحاكمة فان كارلوس فوينتس لم يهمل مشاكل الطبقات الكادحة.

****
    قد تبدو الرواية منفرة لأول وهلة نظرا لشكلها غير المعهود... وقد تبدو مكسيكية بحتة , الا أن السياسة هي السياسة ,فما يحدث في الرواية من مؤامرات للوصول لعرش النسر ,ما يكتشف من سجلات قذرة لسياسيين اعتلوا سدة الحكم في المكسيك , ما يواجهه عمال المكسيك وطلابه. تجارة المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض ,البلقنة أو نظام الولايات والتقسيم

****
   أثناء مجريات الرواية تقرأ تلك الواقعية السردية، ببعد شعري، بنية سردية تعتمد على الرسائل بين شخصيات متآمرة وينعكس في خطابها الواقع السياسي بطابعه الميكيافيلي. تتكرر ثيمة الوجود المكسيكي في بحر الطغيان الأمريكي، ثم في التواجد المتخيل لأمريكا اللاتينية، القارة التي بنظرة فوينتس تكمن اهميتها فيما تخلقه للعالم من مشاكل، او بالتحديد فيما تخلقه للجارة التي يصعب اختيارها، بينما يمكن اختيار الاصدقاء.

*****
رواية استهلكتني طوال شهرين .. رواية مجنونة .. شيقة و مملة.. سريعة و بطيئة .. سهلة و صعبة.. أنهيت الرسالة الأخيرة و أوجعتني ببساطتها و تساؤلاتها..و قد لخصت ما يفعله كرسي النسر بعشاقه.. أحببت الرواية برغم قسوتها .. لكن المؤكد أني تعلمت منها الكثير .. تعلمت منها كإنسان و ككاتب و كباحث عن الحقائق خلف الكواليس.

 وأنا أقرأ كرسي الرئاسة كان ينتابني شعور انني أتجسس على الشخصيات وفي بعض الأحيان تخيلت نفسي جزءا منهم ...من الرواية...أن بي كثيرا من نقائصهم....وهي الحقيقة .
Share:

انقطاعات الموت



مقدمة
     ساراماغو من جديد يصفع اعتقاداتنا الواهية في انقطاعات الموت و يضعنا أمام أسئلة وجودية عن الحياة و الموت والأنظمة والانسان والقيم الأخلاقية بأسلوبه السردي الجبار الذي يحتاج لذهن يستخدم كل خلاياه.فكلنا نتجنب الموت و كأنه كائن مجذوم ولا ندرك أننا مهما توارينا عنه سيجدنا ، كلنا نطمح للخلود بأنانية فلا نعمم الأمنية على جميع الناس لأننا مدركون أن اختفاء الموت كوجوده معضلة..
منذ بداية الرواية هذه تغزونا جملة اسئلة:
ماذا لو حيينا في عالم لا موت فيه ، فلا طفل يموت ولا شاب ، ولا رجل ولا امرأة . عالم يتحقق فيه حلم الإنسانية الأعظم منذ بدء الحياة ، التمتع بحياة أبدية على الأرض ؟ هل سيكون أمراً يستحق كل هذا التفكير الذي قمنا به ؟ وهل سنجد السعادة التي تخيلناها مرافقة لهذا الحلم ؟
هل يمكنك أن تتخيـل كم الفـوائـد التـى ستتبـع ذلك ؟ أم ثمة جانب آخر نعجز عن إدراكه ؟
كل هـذا يـدور فى النصف الأول من الروايـة أما في النصف الثانـى فسييظهـر سؤال آخـر ..
- ماذا لو عاد الموت فجأة بعد اختفائه؟
 مـاذا إذا كـان المـوت شخصـًا مُجسمـًا يعيـش بيننـا؟
- وإذا كان كذلك هل سيكون رجلًا أم إمرأة؟
مـاذا إذا أصابـه الضعـف والشفقـة بهـؤلاء البشـر ؟

أيضايقنا الموت إذا ما باغتنا ؟ وماذا لو منحنا الموت إنذارًا يسبق أواننا بأسبوع حتى نرتب أمورنا ونودّع من نشاء؟
هذا ما سيجيب عنه ساراماغو في هذا العمل المبهر حيث يأخذ على عاتقـه مسؤوليـه توضيـح أهميـة المـوت وهـى مهمـة غيـر سهلـة كمـا ترى ، فمـن منا يحب أن يمـوت ؟
    فكـرة الروايـة فـريـدة ولكن هـذا لا يكفـى لكـى تكـون الروايـة مميـزة، فقط أضف لهـا أسلـوب ساراماغو الفذ لتحصـل على ما تريـد وتذهب بعيدا في عوالم خيالية فلسفية ممتعة تعيش فيها كما لم تعش من قبل وهذا ما سيفعله ساراماغو.
موجز عن الرواية
    تبدأ الرواية برأس السنة الجديدة ، وعلى خلاف عادة الأحداث المأساوية رأس كل سنة، لا يموت أحد حيث سينقطع الموت لمدة سبعة اشهر كاملة. الأحداث تقع في دولةٍ افتراضية ، بنظامٍ ملكي دستوري وديانةٍ مسيحية تسمى مملكة ألدورادو. رغم أن هذه التفاصيل لا تسهم كثيراً في مضمون الرواية، لأن ما تبحثُ فيه هو النفس البشرية والأنظمة الاجتماعية وكيف تتأقلم - إن جاز لنا القول - مع حدثٍ كهذا.، كيف يؤثر توقف موت البشر على السياسة والإقتصاد وعمل العصابات في هذه المملكة؟ وهل يندم البشر على اختفاء الموت أم يرحبون بما حصل؟ يظهر بطل للرواية في منتصفها ليتحاور مع الموت نفسه، الرواية فلسفية تشابه فلسفة ساراماجو في روايته العمى.
      تمثلت مهارة ساراماغو في تناول حدثٍ كئيبٍ كالموت بخفة وسخريةٍ لاذعة دون أن يهون من أثره. فرغم أن الموت - بعد انقطاعه - ظل غائباً عن نصف أحداث الرواية.. مما يعني أن يفسح مجالاً للحياة كي تحتل الساحة، إلا أن الحديث لم يكن عن شئ سواه. وكأن حياتنا مجرد فسحةٍ قصيرة في انتظار الموت !
      ساراماغو يدعونا إلى محبة الموت و يضعنا حسه الفكاهى وسخريته اللاذعة منذ بداية الصفحات أمام مفاجأة فانتازية صاعقة:" فى اليوم التالى لم يمت أحد"، لقد انقطع الموت فى دولة صغيرة -لا اسم لها- وأصبح سكانها لا يموتون ويبقى مريضهم على حاله، وقد يبدو الأمر رائعا في البداية لمن يتوقون إلى الخلود ولكن سرعان ما يوضح "ساراماغو" أنها كارثة تهدد البشرية، فالحكومة لا تستطيع التعامل مع هذا الموقف غير المألوف، ولقد تعثر نظام المعاشات التقاعدية ولم تعد المستشفيات ودور المسنين تفي بالغرض، وأفلست مؤسسات تجهيز الموتى ودفنهم. لقد أثار غياب الموت فوضى ليس لها مثيل ولم تعرفها المجتمعات من قبل وعلى البشرية أن تقبل به كوجه العملة الآخر للحياة، فالمرء لا يستطيع العيش بدون الموت، مع أنه يظهر كتناقض ظاهري للحياة ولكننا في الحقيقة يجب أن نموت لكي تستمر الحياة.
استطراد
يتحدث ساراماغو عن الموت بصورة مغايرة لما عهدناه من قبل، أقصد مانعرفه عن الموت كخبر عابر عن زيارته لأناس لانعرفهم ولايعنون لنا شيئا، نعرفه من جديد كزائر مفاجىء وقاسي القلب يخطف الأحبة في غفلة منّا، يتحدث عن الموت المجازي في حالات عديدة لأناس لازالوا يمارسون الحياة (المجازية). يتغيب الموت مع ميلاد السنة الجديدة ويعاد تشكيل الحياة والمنطق في غيابه، تماما مثل العمى الأبيض المفاجئ في رواية (العمى). اجتهادات من الحكومة ومن الفلاسفة والكنيسة لاستيعاب الموقف.

أول من سقط من الضحايا هم تجار الموت ؛ لم يعد للتوابيت قيمة ولا لشركات التأمين، ولأن كل ماله علاقة بالمال عمليّ وقليل الكلام ؛ وجدوا البديل سريعا حين توصلوا إلى إتفاق (جنتلمان) يُلزم المواطنين بدفن حيواناتهم النافقة في توابيت بشرية، وشركات التأمين صنعت موت إفتراضي في غياب الواقعي ببلوغ الشخص ثمانين عاما !
الحكومة تتعثر في البداية ثم تطلق التصريحات الحماسية المعتادة مثل :انهم يحسدوننا لأنه لا موت في وطننا، تحاول استغلال الوضع بالتحكم في معدل الكثافة السكنية، في تنشيط أو إبطاء إرسال الأرواح المعذبة إلى خارج حدود الأبدية أي خارج حدود البلاد، وهنا كانت عصابات مافيا الموت أكثر نبلاً منها ؛ هي تنقلك للموت في مقابل مالك لا لحسابات أخرى.
أن تدفع لتموت أو ليموت من تحب (فكرة) توقفت عندها كثيراً، ساراماغو الملحد يحكي عن نعمة الموت ووجهه الرحيم بطريقة إنسان يعتمر قلبه بالإيمان !
عن الفلاسفة في غياب الموت يقول :
"ينقسم الفلاسفة كالعادة،إلى متشائمين ومتفائلين، بعضهم عابسون وبعضهم باسمون، يستعدون لأن يبدؤوا للمرة الألف النزاع الأبدي حول الكأس التي لايُعرف إذا كانت نصف ممتلئة أو نصف فارغة"
يقترح البروتستانتي من وجهة نظره الدينية تنظيم مواكب في شوارع البلاد مطالبين بالموت بالطريقة التي قاموا بها من قبل من أجل طلب المطر ..
السيدة موت ترسل الرسائل البنفسجية بايماءة قاتلة، عازف الفيولونسيل يربك موت ويجعلها تعيد حساباتها.
رائع مشهد العازف وهو يتأمل فراشة الموت دون دراية منه بـ موت التي تتأملها من وراءه، في كناية عن امكانية قرب الموت، لأننا لن نحصل على رسائل بنفسجية من الموت ليخبرنا بمجيئه ؛ نتجاهل هذه الحقيقة الحتمية دائما بتصوره بعيدا عنّا، تتخلى السيدة موت عن المنجل وتختار أن (تعيش) مع رمز الحياة هنا عازف الفيولونسيل.
أعجبتني الملاحظات التي يتركها ساراماغو للقارئ بين السطور :
- "لمحبي الاقتضاب وأسلوب الإيجاز والإقتصاد في اللغة" يستدرك ساراماغو بضرورة الإسهاب في البداية لتوضيح الصورة العامة لما حدث بعد إضراب الموت.
- "تساؤل وفضول من يتابع القصة باهتمام موسوس وهاجسي بحثاً عن التناقضات، وزلات، وسهوات، وإنعدام منطق، من أين للسيدة موت عملة لشراء التذاكر ؟! "
هنا يذكّر القارئ المترصد بأنها دفعت قبل ذلك لسيارة الأجرة من حقيبة أخرجت منها نظارتها الشمسية وكأنه يقول ترفّق بنفسك أيها المتذاكي وحاول الاستمتاع بالقراءة :)
كاتب يذرف الدموع لمشاهدة عمله سينمائيا، يخبرك بطريقة عفوية  عن جدية وقيمة ماتقرأه بين يديك لهذا المبدع.
****
يمكن تقسيم الرواية إلى قسمين، وفي كلا القسمين تيمتي ساراماغو الأساسيتين:
- الإنسانية في مواجهة نفسها ومعضلاتها الكبرى نتيجة لظرف جديد إرادياً - كما في البصيرة - أو "قدرياً" - كما في العمى والطوف الحجري وروايتنا الحالية حيث غاب الموت.- الموقف التأملي للفرد أمام نفسه في لحظة فارقة في تاريخه - حيث يواجهه موقف عادي تقليدي يثير الكثير من الأسئلة حول حياته الفردية والعامة - كما في تاريخ حصار لشبونة وكتاب الرسم والخط وهنا فإن الشخص الذي يواجه اللحظة الفارقة هو الموت نفسه.
القسم الأول
  في هذا القسم ربما بدا لنا الأمر متشابها مع روايته العظيمة العمى، حيث تصاب مدينة ما بوباء.
 كان هذا القسم من الرواية رائعاً فى الوصف المُحكم للنفس البشرية ...ان ينقطع الموت فجأة لهو حادث مخالف بالمطلق لأعراف الحياة، وهنا يكشف ساراماغو ببراعة فائقة عن ردود افعال كل من الحكومة..أصحاب الوكالات الجنائزية..شركات التأمين،بيوت رعاية العجزة والمسنين، وموقف الفلاسفة ورجال الدين وموقف هؤلاء الذين يجدون على الدوام طريقة للأستفادة من اى وضع اياً كان...
هذا القسم يشي بأننا على موعد مع فانتازيا من فانتازيات الموت, متمثلة في الإضطراب الناشئ عن انقطاع الموت تماما عن إحدى البلدان, ثم عودته مرة أخرى بعد انقطاع دام سبعة أشهر. ولعل موضوع العودة هذا هو ما زاد عنصر الفانتازيا أكثر؛ فلم تكن مجرد عودة بالمعنى الذي قد يتبادر إلى الذهن عندما نقول "عودة الموت", بل كانت العودة بطريقة مبتكرة.توقف الموت و مضي البشر في حياة أبدية أو شبه أبديه ضمن حدود المملكة، مع استمرار الحياة بمنوالها الطبيعي خارج الحدود .نرى شيئا من أسلوب مواجهة الانسان كفرد و المجتمع بشكل عام وأجهزة المملكة كمؤسسات للتصدي لهذا الشيء الطارئ .
القسم الثاني
تتطور الأمور إلى أشياء لم تخطر في البال إذ يتحول مسار الرواية تماما ليبتعد كل البعد عن ما سبق و يقدم صورة أخرى فيتمثل الموت أمامنا بشخصية و شكل فنرى الشخصية تتحرك، وتكتب رسائل إلى الناس الذين شارفت حياتهم على الانتهاء ، فيبتدأ الجزء بتقبل الانسان لمعرفته بموته قبل أسبوع ، ثم يمضي بالطرح الشائك المعقد الذي هو أروع ما فيها ، وهو تخيل شخصية الموت كبداية ونشاطها ، وتأملها وتفكيرها بعملها.
هذه الفنتازيا التي تحمل سخرية لاذعة لم تتوقف عند هذا الحد هذا الجزء بالمناسبة هو الجزء الصعب أعني الجزء البارد الجزء الذي لم تكن به شخصيات تتفاعل معها وتتأثر بها وتنتج تلك العلاقة الدافئة بين القارىء وبين الشخصيات التي لم تكن موجودة إلا لتوضيح الفكرة كان الأمر يبدو مكيكانيكيا سردا خاليا من المشاعر .
إن ظهور شخصية موت صاحبة تلك الرسائل البنفسجية هو الجزء الأكثر إبهارا في الرواية، الموت تبدو جلية واضحة كما هي الحياة.
تبدو أجواء الرواية سوداوية لكنها لم تخلو من الظرافة المشهد الذي وضع الرواي يده على كتف الموت البائسة مثلا أو تصرفات الموت بحد ذاتها  وقد يعجب القارئ من قدرة ساراماغو من المزاوجة بين الموت و الظرافة .
في هذا القسم معالجة شديدة التعقيد لأفكار كثيرة ..و أشبه بالخوض بحقل ألغام فكري أدبي ميتافيزيقي .. وهذا أكثر ما ميز الرواية عن غيرها بالاضافة للنقلة الرهيبة التي أحدثها بعد ما انتهى من القسم الأول..
و انا اقرأ هذا القسم جال بذهني شخص الممثل نيكولاس كايج في فيلم مدينة الملائكة.
تحليل
في أغلب رواياته يبدأ ساراماغو بفكرة فانتازية شديدة الشطط ثم يبني عليها سلسلة من المترتبات ...قد تبدو طريقته سهلة، فتعتقد أنه يكفي أن تجلس مع نفسك، وتدقق في واقع تعيشه أو حقيقة ما تلمسها، ثم تفكر ماذا لو اختفى هذا الواقع فجأة، وتقلّب الأمر من جميع جوانبه.
اسلوب الرواية سردى من أبلغ ما يكون , وبعض فِقراتها من أعمق ما يكون .
بعض الأجزاء فلسفيه بحتة وتدل على اجتهاد قوى من قِبل الكاتب..
الكثيرُ يُقال حول أسلوب الكتابة بالطبع. هذه قرائتي الثانية لساراماغو - بعد "العمى" - وها أنا أجد الأسلوب ذاته يتكرر: المقاطع الطويلة المسترسلة، دون علامات ترقيم سوى الفاصلة. هذه "اللخبطة" المتعمدة في لصق الحوارات معاً بحيث أضطر لقراءة الحوار أكثر من مرة لأعرف من قال ماذا. ولا يعود الأمر لضعفٍ أسلوبي لدى ساراماغو كما هو واضح، بل حيلة متعمدة لإرهاق قارئه. 
بأسلوبه الرائع (الساخر،اللاذع والذكي) المتمثل تارة بالحوارات، وتارة بالمعالجات والتعمق بها، وأحيانا أخرى بالنقد اللاذع ، دون أن تخلو صفحات الرواية من حس الفكاهة الرائع والذكي الذي يمتلكه.
*النقلة من القسم الأول إلى الثاني لم تكن في المستوى المرتقب وكأن الباب قُفل أمام ساراماغو لاستكمال سرده بنفس درجة واقعيته فقرر ولوج عالم الفانتازيا دون سابق انذار. أحسست بانقطاعٍ ما، لا تواصلية في الحدث. لمتفقد الرواية جماليتها حتى آخر عبارة لكني حين أستعيدها أشعر أني أمام روايتين لا واحدة.
الحوار لدى ساراماجو مثله مثل الوصف قطع فنية ويزيد عليه تحديه للقارىء حيث أنه يجبرك على الإنتباه لكل كلمة وفاصلة ونقطة. إستطرادات ساراماجو وحواره مع القارىء هو أقصى طموحات الفن الروائي لإشراك القارىء في العملية الإبداعية.
السخرية - و الكوميديا السوداء أحياناً - سمة مميزة لساراماجو تضيف لأعماله نكهة تجعل قراءة أعماله - الصادمة أحياناً - متعة روحية وعقلية لا يدانيها أي روائي آخر بإستثناء كونديرا. في رواياتنا هذه لا يسعنا إلا تقدير عقلية المافيا وحسن تصرف رئيس الوزراء والإنبهار أمام محاولة النحويين الدفاع عن اللغة في مواجهة ركاكة الموت.
تبقى إشارة للترجمة الممتازة لصالح علماني الذي وعلى الرغم من أنه يترجم من الإسبانية إلا أنني كنت أتمنى أن تكون كل أعمال ساراماجو المترجمة للعربية علي يديه. فكرة الحرف "gras" جيدة ولكن بعض السهو جعلها أحياناً في المكان الخطأ وهناك فقرة يبدو أنها في غير مكانها الصحيح أو أفتقدت لعلامات الترقيم.
عن ساراماغو
هذا الرجل يفهمني جيدا، كما لو أنه يكتب لي. يكتب ببساطة وكأنما الكلمات تخرج من تلقاء نفسها لا أنه هو الذي يخرجها، يكتب دونما أسماء - وأنا أكره الاسماء - ، وكأنما علم أن الأسماء ليست ضرورية في عالم الرواية ، فربما ينسى المرء الاسم لكن يبقى الانطباع عنه في الذهن . في عالم جوزيه سارماغو يوجد سائق التكسي، والفتاة ذات النظارة ، وعازف البيانو ، والصهر ،والجد ...لكن لا يوجد فيه أسماء!
والأحداث بحد ذاتها ليست معقدة ، تسير ببساطة وفق تكهنات جوزيه للنفس البشرية ، أو يجدر بنا تسميتها رؤية وليست تكهنات . فلكل منا رؤيته .
جوزيه المبدع يطرح شيئا واحدا غير مألوف ، ريما موقف معين غير مألوف، أو ظرف تغير ، ويترك لخياله ( ورؤيته) أن يرسم كيف ستتصرف البشرية وفق هذا الموقف الجديد! هكذا هو إبداعه .
أنا أحب جوزيه ساراماغو ! أحبه جدا جدا
خاتمة
"الحياة أو الوجود عقد زمني غير مكتوب يفسخه الموت"هكذا يرى ساراماجو الحياة .. لكن ماذا لو قرر الموت عدم فسخ هذه العقد!!ساعتها لن تملك شيء سوى اكتشاف مدى ضعفك وهشاشتك أمام أي حدث يقرر القدر أو العمر أو الحياة تغييره رغما عنك.
في هذه الرواية تقرر ربة الموت أن تتوقف عن عملها لمدة سبعة أشهر فقط كنوع من أنواع التجربة .
نعمالتجرب.ة
لم يتوانى ساراماجو عن ذكر هذا الأمر بوضوح وسخرية في روايته.
الحقيقة لم يكن ساراماجو الأديب الأول الذي تخيل إضراب ربة الموت عن عملها .. ففي قصة قصيرة** للرائع تولستوي يرفض ملك الموت أن يأتي على حياة امرأة أرملة ولها طفلتان شفقة على طفلتيها فيعود إلى الرب رافضا أن يقبض هذه الروح .. فينزله الرب إلى الأرض طالبا منه أن يجد إجابة علامَ يعيش الإنسان وبعد أن يجدها سيكرمه الرب بإرجاع جناحيه وإعادته إلى مملكة السماء.
فعلا .. علامَ يعيش الإنسان؟؟ما معنى الحياة إن لم يكن هناك موت في النهاية؟؟ما مغزى أي عمل تقوم به إن لم يكن له نهاية؟؟
عندما أفكر في هذه الأسئلة يتبادر إلى ذهني مقولة أخيل والذي لم يتوانى
"ساراماجو هنا عن ذكره في عرض حديثة" حتى الآلهة تحسدنا لأننا فانون".
إذن: الشيء الوحيد الذي يعطي الحياة قيمتها انها تتوقف في النهاية،الشيء الوحيد الذي يعطي الحياة معنى هو الموت.
The meaning of life is that it stops.      Franz Kafka
نعم .. الفناء نعمة .. ولا أتصور أنا كواحد من الناس أن لدي نفسا لأعيش حياة خالدة .. أو معنى في أن يتكرر يوم من حياتي إلى الأبد.
هذا قادني إلى التساؤل عن أشياء أخرى، كمثل لِمَ قد نعيش حياة خالدة في الآخرة!!وهل سيكون لحياتنا أي معنى وقتها .. خصوصا وإن امتلكنا المعرفة الكلية.هذا ما قد يجعلك ساراماجو تفكر فيه في القسم الأول من الرواية.
أما بالنسبة للقسم الثاني فإنه مختلف قليلا ويخفف من وطأة وحدة الأفكار التي اكتظ بها دماغك في القسم الأول.
هنا تظهر ربة الموت في هيئة بشر، ولا أدري إن كانت الفكرة جديدة أم لا.
هذا الكتاب يجعلك تتصالح مع فكرة الموت ليس من مبدأ عقائدي كفكرة الحياة بعد الموت و إنما من منطلق واقعي تجعلك تتمنى الموت بالمعنى الحرفي بل و تشعر بالامتنان لوجوده...فكم من الناس تمنت الخلود لها و لأحبابها و دعت لهم بطول العمر و كم من الناس تأثرت حياتها لموت أحدهم وكم منهم كره الموت وبغضه,حتى أن البعض قام بمحاولات جدية لاختراع عقار يضمن الخلود.... لكن ماذا لو انقطع الموت عن القيام بعمله فعلاً؟

بعد قراءة أي عمل لساراماغو،لن تعد نظرتك للأمور هي ذاتها ولا حتى تفكيرك،سيجعلك تُفكر بطريقة مختلفة، بجنون أكثر.حتماً وضروري ستُغير أعماله في داخِلك شيئاً ما .
Share: